بسم الله الرحمن الرحيم
سوال موهم جد هل ولا مش هل
انا اقولك
بعد أن جاء الفيلسوفان الإغريقيان ليوسيبس وديموقريطس في القرن الخامس قبل الميلاد بفكرة أن
المادة تتكون من جسيمات أولية غير قابلة للتجزئة ، خالفها الفيلسوف الشهير أرسطو وأقر أن المادة
رباعية التكوين (الماء،النار،التراب،الهواء)، وسيطرت هذه الفكرة على عقول العلماء ، وقلوب الفقراء
الذين يفكرون في تحويل المواد الرخيصة إلى فضة وذهب وجواهر ، وبعد حوالي 2000 عام من ضياع
الجهود والعقليات في المحاولة دون فائدة في تحويل العناصر ، قام الفيلسوف بيكون بمهاجمة آراء
أرسطو في بنية المادة ، وأيد فكرة ليوسيبس وديموقريطس ، وطلب العلماء أن يتركوا تقليد أرسطو
الأعمى وأن يبحثوا في موضوع تكون المادة من ذرات ، وكان من نتيجة ذلك أن قام عالم الغازات
الإيرلندي بويل بإقتراح أن الغازات تتكون من جسيمات صغيرة جداً ، وكان ادخال مفهوم الفراغ الذي
أدخلتها تجارب توريشلي الإيطالي ، دعماً لبويل في أن هذه الجسيمات يوجد بينها فراغات تقل وتزداد
حسب الضغط ، ثم قام نيوتن بتوسيع هذا المفهوم ليدخل فيه السوائل والجوامد ، ثم استطاع لافوازييه
الفرنسي أن يكتشف قانون حفظ المادة عن طريق التجارب المستمدة من الكيميائي بريستلي ، وأن
المادة لا يمكن للإنسان أن يفنيها أو ينتجها من العدم ، وهذه القاعدة أعطت حدود للمنطقية في نظريات
المادة ، ثم وفي عام 1808م طرح جون دالتون تصوره عن الذرة بأنها عبارة عن جسم مصمت ككرات
البيلياردو ، فلاقى ذلك موافقة من العلماء دامت ما يقارب القرن ، إلى أن تجارب فارداي في أنبوبة
التفريغ الكهربائي تؤكد أن للذرة علاقة بالكهرباء، وبأن هناك جسيمات كهربائية سالبة توجد في الذرة ،
وسميت هذه الجسيمات فيما بعد بالإلكترونات، ومنذ أن بدأت الكهرباء تدخل في تكوين الذرة بدأت
الشيخوخة تصيب نظرية دالتون ، وبما أنه يوجد بالذرة أجسام سالبة ، فإنها كي تتعادل الذرة ، يجب أن
تكون هناك جسيمات موجبة ،فقام العالم الأمريكي ميليكان بقياس شحنة الإلكترون ، فتأكد العالم
طومسون بأن جميع ذرات العناصر تحتوي على إلكترونات لها نفس الكتلة والشحنة ، وطرح في عام
1910م تصوره عن الذرة بأنها جسيم مشحون بشحنة موجبة يتواجد داخلها جسيمات سالبة ، وأن
جسيمات ألفا لاتأثر في هذه الذرات ، بل تمر مرور الكرام ، ولكن هذا التصور لم يدم طويلاً ، فتجارب
جايجر ومردسن ورذرفورد عام 1911م أثبتت أن عدد لا بأس به من جسيمات ألفا قد إنحرف بزوايا
عالية عند مروره بذرات ثقيلة كذرات الذهب ، مما يدل على أن هناك شيء إصطدمت به جسيمات ألفا
وانحرفة عن مسارها ،وهذا أثبت أن هناك جسيم عالي الكثافة موجود في داخل الذرة ، فطرح في نفس
العام رذرفورد نموذجه عن الذرة وأنها تحتوي على نواة وهي جسيم مركزي تتركز فيه كتلة الذرة
والشحنة الموجبة بينما تتواجد الإلكترونات على مسافات بعيدة عن النواة ، وتعمل على تنظيم ذلك
الكهرومغناطيسية الكلاسيكية (القديمة) ، إلا أن هذا النموذج فشل أيضاً ، فقد كانت تفترض
الكهرومغناطيسية الكلاسيكية أن أن الإلكترون عندما يبدأ بالإشعاع يقترب من النواة أكثر فأكثر فينتهي
به الأمر في داخلها ، فتتعادل الشحنتان ، وتختفي المادة !! ، وهذا يخالف التجربة ، وبعد قام العالم
الدناماركي بوهر بمناقشة العالمين ماكس بلانك وأينشتاين في نظريتي (المكانيك الكمي) و(النظرية
النسبية) استنتج على ضوء نظرياتهم في عام 1915م أن الإكترون يدور في مدارات ثابت حول النواة و
عندما ينتقل من مدار لآخر يشع أو يمتص إشعاع ،كما أنه لا يستمر في إطلاق الإشعاع إلى مالا نهاية
كما إفترضت الكهرومغناطيسية الكلاسيكية ، بل يشع إلى حد معين بعدها يتوقف الإشعاع ، فبعد نموذج
بوهر طوى النظرية الكهرمغناطيسية الكلاسيكية النسيان ، وحقق نموذج بوهر للذرة نجاحات كبيرة ،
وظل نموذجاً أساسياً لكثر من النماذج بعده..
ماذا عن النواة ؟
لاحظ بروت أن عند قياسه لأوزان الذرات أن أوزانها مضاعفات لوزن ذرة الهيدروجين ، فاقترح أن
الذرات تتكون من ذرات الهيدروجين ، ولكن عندما طرح رذرفورد فكرة وجود النواة ، قام العلماء بتعديل
فكرة بروت إلى أن أنوية الذرات هي التي تتكون مضاعفات نواة الهيدروجين التي أسموها فيما بعد
بالبروتون نسبة إلى العالم بروت ، وأسمو ذرة الهيدروجين التي تتكون من بروتون واحد فقط
بالبروتيوم، وأن شحنة هذا البروتون تساوي شحنة الإلكترون ولكنها موجبة ، أي أن في النواة عدد من
الشحنات الموجبة تتوزع في كثافة النواة ، ولكن هذا يتناقض مع تجارب جايجر ومردسن التي أثبتت أن
الموجبة تتركز في نصف كثافة النواة ، فأصبح الأمر محيراً ، فافترض أحدهم أن الإلكترونات موجود في
النواة مع البروتونات !! ولكن هل يمكن أن يكون الإلكترون موجود داخل النواة ؟ ، إذا حسبنا طول
موجة الإلكترونات تفاجأنا بأنها أكبر كثيراً من طول نصف قطر النواة ، فطول الموجة أكبر بمئة مرة من
نصف قطر النواة ، وبالتالي كان ينبغي إعادة النظر في مكونات النواة ، إلى أن جاءت تجربة شادويك
التي غيرت الكثير عن مفهوم النواة ، ففي عام 1932م قذف شادويك البيريليوم بجسيمات ألفا ناتجة
عن تحلل البولونيوم ، فنتج عن ذلك جسيمات جديدة لم تكن معروفة من قبل، فهي متعادلة الشحنة ،
ولذلك أسماها بالنيوترونات ، فاقترح هايزنبرج بأن العناصر الأخرى أيضاً تحتوي على النيوترونات ،
بالتالي فإن الأنوية تحتوي على البروتونات والنيترونات التي تسمى (بالنيكلونات) ..
ولكن كيف هو شكل النواة ؟
بسبب صغر حجم النواة، فإننا لا نستطيع تحديد شكلها بالضبط ، فالذي نستطيع تحديده من النواة هو
طاقتها وكتلتها ، كما أن تصميم نموذج للذرة أسهل بكثير من تصميم نموذج للنواة ، فكلنا نعلم الطاقة
الكهرمغناطيسية التي تربط بين النواة والإلكترونات ، فالموجب يرتبط بالسالب ، ولكننا لانعلم سوى
القليل عن الطاقة التي تربط بين جسيمات النواة ، كم أن قطر الذرة أكبر بكثير من قطر النواة ، لذلك من
الصعب تحديد شكل النواة الخارجي ، وهناك من العلماء من قال بما أن الطاقة التي تربط بين جسيمات
النواة أقوى بكثير من أي قوة مؤثرة خارجية ، فإننا من الأفضل أن نقترح أن النواة تميل إلى كونها
كروية الشكل ، فأنتجت النظريات بعض النماذج عن النواة ، فكما ناقشنا نماذج الذرة سنناقش الآن
نماذج النواة ، فكر العلماء في أن من الممكن أن تكون علاقة طاقة الترابط النووي مع النيوكلونات
مشابهة لعلاقة الطاقة الكهرمغناطيسية بالإلكترونات ، ففكروا بنموذج يسمى بالنموذج القشري ، ويقول
هذا النموذج ، أن النواة تتكون من قشريات أي مستويات ، وكل مستوى يدور فيه عدد معين من
النيوكلونات ، وعندما يمتلئ مستوى فإن المستوى الثاني يبدأ بالإمتلاء ،وعندما طرحت ماريا ماير فكرة
الأعداد السحرية ، ازداد الدعم لنموذج القشريات ،ولكن ما هي الأعداد السحرية ؟ ،إكتشفت الدكتورة
ماير أن الأنوية التي يكون عدد نيوتروناتها أو عدد بروتوناتها أو كليهما ، أحد الأرقام التالية(
2،8،20،28،50،82،126) فإنها تكون مستقرة نووياً ، فتمت إضافة بعض الفروض إلى النموذج
القشري ، منها أن هذه الأعداد السحرية هي أرقام الإمتلاء في المستويات ، وكما أن الذرات التي عدد
إلكتروناتها (2،10،18،36،54،86) تكون مستقرة كيميائياً ، كذلك النواة ، كما أن هذا النموذج يقول
بأن هذه القشريات صلبة ومن الصعب الإنتقال بالطاقة من مستوى إلى آخر ، كما أن التي يكون في
مستواها الأخير نيترون وحيد فإنها تميل إلى فقد أكثر من ميلها عندما يكون هذا النيوترون في قشرة
متكاملة ، وقد حقق هذا النموذج نجاحات كبير واستطاع أن يتنبأ بالكثير من الخصائص ، ولكنه أغفل
نقطة مهمة وهي الشحنة الكهربائية ، مما جعل آخرين ينتجون نموذجاً آخر ألا وهو نموذج قطرة السائل
، حيث أن النواة في هذا النموذج مثل قطرة السائل ، فالكثافة موزعة بالتساوي وكذلك الشحنة ،
وتصبح هذه الكثافة صفر عند السطح ،وتتموج هذه القطرة (النواة) مع التأثيرات الخارجية ، كما أن
غلاف النواة متماسك أكثر من اللب ، وذلك لأن النيكلون في داخل النواة يكون مرتبط مع البقية
النيوكلونات من جميع الجهات ، أما النيوكلون الموجود على السطح فإنه يكون مرتبطاً مع النواة من
جهة واحدة فقط وهي جهة مركز النواة أما الجهة الأخرى فتكون عبارة عن فراغ ، وهذا يشبه إلى حد
ما التوتر السطحي عند السوائل ، ولكن هذا النموذج مع سهولته ودقة نتائجه ، أخطأ في كثير من
الأشياء وخاصة عن الإستقرار النووي ، وهذا النموذج مرتبط بشكل كبير مع طاقة الترابط النووية التي
سنأخذها بالتفصيل إن شاء الله في المحاضرة القادمة وقبل أن أختم المحاضرة أريد أن أضيف أنه في
منتصف الخمسينات طرح العالم الفيزيائي أيج بوهر وعدد من زملائه ، نموذجه الموحد عن النواة ،
وهذا النموذج دمج فيه النموذج القشري مع قطرة السائل ، بحيث تكون القشريات متموجة وليست صلبة
، كما أنه قال في هذا النموذج أن النواة ليست كروية دائماً ، فهي كروية في حالة الإستقرار النووي
التام، ومشوهة في حالة عدم الإستقرار ، كما أنها ثابتة في حالة الإستقرار ومهتزة في حالة عدم
الإستقرار ، فلاقى هذا النموذج أكبر الموافقة خاصة في التجارب المعملية ..
ومن الطريف أن من طرح النموذج الموحد للنواة وهو أيج بوهر ، هو ابن نيلز بوهر الذي طرح